✓ تعريف النسيان:
شيء طبيعي جدا للإنسان أن ينسى شيئا ما ويفشل في أن يتذكره .قد تنسى اسم أحد الأصدقاء الذي لم تلتق به منذ زمن طويل .وقد تنسى المكان الذي وضعت فيه سلسلة مفاتيحك ولكن إذا ما تكرر هذا النسيان بشكل ملحوظ فإن ذلك يحتاج إلى وقفة ومعرفة السبب وعلاجه.
ويؤكد علماء النفس على أن هناك نوعين من النسيان:
النسيان الطبيعي: في حقيقته أن الإنسان لا ينسى الحدث نفسه ولكنه ينسى المؤثرات التي أحاطت، به فالإنسان لا ينسى مثلا يوم زفافه ولكنه قد ينسى الانفعالات والاحداث التي حدثت في ذلك اليوم.
النسيان المرضي:يحدث بسبب وجود مرض معين مثل :تصلب في شرايين المخ أو بعض الأمراض النفسية مثل: الهستيريا.
وهناك النسيان الناتج عن ادمان المخدرات أو الحبوب المهدئة و المنومة والمنشطة ،وكذلك النسيان بسبب إصابات الرأس ومراكز الذاكرة أو نقص الاكسجين المتجه للمخ بسبب أمراض القلب أو الجلطات المخية أو التهابات القشرة المخية.ويحدث النسيان كذلك نتيجة حالات الصرع والغيبوبة وفي بعض حالات الفشل الكلوي وعند بعض مرضى السكري.
✓نظريات علماء النفس لتفسير ظاهرة النسيان:
هناك عدة نظريات وضعها علماء النفس لتفسير ظاهرة النسيان وعدم القدرة الجيدة على التركيز والتذكر منها النظريات التالية:
اولا:نظرية التلاشي والضمور:
وفي هذه النظرية ،وكما هو واضح من اسمها ،أن الذكريات والخبرات الإنسانية التي تمر على الانسان يتم تسجيلها في دوائر كهربائية وعصبية في المخ ،وأن هذه الذكريات والخبرات تزول أو تتلاشى تدريجيا مع مرور الزمن وبصفة خاصة إذا لم تستعمل مراراً ،وأن الذاكرة تضعف وتضمر بسبب عدم استخدامها تماما كما تضمر عضلة الجسم في حال توقفها عن العمل لفترة طويلة.
والنسيان وعدم التذكر طبقاً لهذه النظرية يحدث بسبب ضعف وتلاشي الذكريات غير المستخدمة مع مرور الزمن ،ويرى أصحاب هذه النظرية أن علاج النسيان يكمن في تداعي الأحداث والذكريات بصفة دورية وتنشيط الذاكرة بالمحاولات المستمرة لتذكر الماضي.
وتجد هذه النظرية معارضة شديدة من جانب العلماء الذين يؤكدون على أن الزمن وحده غير كاف لتفسير النسيان ،كما أن الطفل الذي بلغ من العمر ست سنوات أو حتى عشر وأصيب بمرض أو حادث أدى إلى فقدانه البصر يستطيع بعد نصف قرن من الزمان أن يصف بدقة ماكان يراه وهو مبصر ولديه عشر سنوات مما يناقض هذه النظرية تماما .
ثانيا:نظرية التداخل:
تقول هذه النظرية أن تداخل المعلومات وتشابكها يعيق القدرة على تسجيلها بوضوح وإمكانية تذكرها جيدا كما هي،وأن المعلومات الجديدة تعيق تذكر المعلومات القديمة وتسمى في هذه الحالة الكف الرجعى،بينما في حالة قيام المعلومات القديمة بإعاقة تذكر وحفظ المعلومات الجديدة فإن ذلك يسمى بالكف القبلي.
ويؤكد أصحاب هذه النظرية أن الفرد إذا نام بعد أن تعلم شيئا ما او قام الطالب لاستذكار مادة ما قبل النوم ونام نوما هادئا فإنه سيتذكر ما قام بحفظه بسهولة وبوضوح،بينما لو تم ذلك في وسط النهار وسط كم هائل من المعلومات المتدفقة خلال اليوم فإنه من الصعب استيعاب وحفظ كل ما قام بقراءته عن ظهر قلب.
ولعدم النسيان ينصح أصحاب هذه النظرية بالتركيز فقط على المعلومات القيمه المراد تسجيلها في الذاكرة واسترداد تلك المعلومات وقت الحاجة وعدم اللجوء إلى حشو المخ والعقل بمعلومات لا حاجة للإنسان بها على الاطلاق ،وتلقى هذه النظرية في بعض جوانبها معارضة من بعض علماء النفس بينما تجد تأييدافي بعض جوانبها الأخرى والتي تختص بأسلوب المعالجة القائم على عدم حشو الذهن بمعلومات غير هامة للإنسان على الاطلاق.
ثالثا:نظرية الكبت:
وهذه النظرية قائمة على أساس أن الإنسان يحاول أن ينسى الذكريات المؤلمة ليتفادى القلق والتعب النفسي ،وان النسيان عملية دفاعية ولا شعوية الغرض منها هو الهروب من موقف يثير حالات وجدانية مؤلمة ،ونسى أصحاب هذه النظرية أن هناك طلابا يعانون من نسيان المواد الدراسية التي بذلوا جهدا خارقا لاستيعابها وتذكرها وان هناك رجال أعمال يؤلمهم كثيرا نسيان اسماء عملائهم ،مما يؤكد أن ظاهرة الكبت هذه قاصرة على حالات خاصة جدا فقط ولايمكن
تعميمها على كل حالات النسيان.
رابعا:نظرية الجشتالط:
وهذه النظرية تؤكد على حقيقة مفادها أن المعلومات المنتظمة والتي يجرى تعلمها بطريقة منتظمة ومعروفة يسهل تذكرها واستدعاؤها ،بينما المعلومات العشوائية والتي تأتي دائما مصادفة من الصعب تذكرها واستدعاؤها.
خامسا:النظرية الحديثة للنسيان:
وهذه النظرية تؤكد أن الإنسان ينسى الأحداث والذكريات التي يفشل في ترميزها اوربطها بشيء ما يصعب نسيانه ،وأن عدم القدرة على تذكر الحوادث الماضية يعود في معظمه إلى الفشل في ترميز أو تخزين هذه المعلومات والاحداث بشكل مناسب ،وانه إذا لم ينتبه الفرد بفعالية للمعلومات المرغوب في ترميزها وتخزينها في نظام معالجة المعلومات ،وما لم يستخدم استراتيجيات مناسبة لاستيعابها فإنه لن يستطيع أن يتذكرها بوضوح على الاطلاق.
وهكذا تعددت النظريات والاراء حول أسباب النسيان، وعدم القدرة على التذكر، إلا أنها جميعا دون استثناء تشير إلى أهمية التركيز والانتباه لتسجيل المعلومات الهامة ،وضرورة الهروب من من المواقف الحزينة والمؤلمة وكل ما هو قابل للضغط على نفسية الإنسان ،لان الضغط النفسي أحد العوامل الأساسية التي تؤثر على الذاكرة وتجعل الإنسان يعاني من النسيان.
وعلى الرغم من أن النسيان يؤثر سلبا علينا في الحياة بصفة عامة إلا أنه من المظاهر المهمة للذاكرة طويلة المدى ،وهو ضروري للإنسان ، فلولاه لغدا التفكير مضطرباً وغير منظم .ولكن مالذي يجب أن ننساه والذي لا يجب أن ننساه ؟
يجب ألا نغفل عن ذكر الله تعالى ،وان نتذكر الخير وننسى الشر تماما.وان نتذكر الذكريات الجميلة المفرحة وننسى الذكريات الأليمة الموجعة ،واذا فعلنا ذلك ظفرنا بذاكرة قوية لا تعاني الا من نسيان الاحزان.